التوصية بهذا على Google
يرصدون علاماتها الضارة في الأنهار والأحواض المائية
لقد حان الوقت فعلا للحد من التلوث «الصيدلي» بعد ازدياد العلامات المخيفة التي تشير إلى انتشاره في الماء، رغم أن هذا التلوث لم يسبب الأذى للإنسان حتى الآن. الماء الذي ينهمر من صنابير أو حنفيات البيوت الأميركية نقي، صاف وآمن عموما رغم أن الشعور اللذيذ بشربه قد لا يصل إلى الشعور بتناول قدح من مياه الينابيع الطبيعية. وتتم في الولايات المتحدة مراقبة نحو 170 ألفا من منظومات المياه العمومية للكشف عن ما يقرب من 80 من المواد الضارة. وتشمل هذه المواد المؤذية الممنوعة أنواع البكتيريا والفيروسات، ومبيدات الحشرات، والمنتجات النفطية، والأحماض القوية وبعض المعادن.
إلا أن خبراء جودة المياه ومناصري البيئة يبدون مخاوف متزايدة من نوع آخر من التلوث الناجم عن المواد الكيميائية الموجودة في الأدوية الموصوفة طبيا والأخرى التي تباع من دون وصفة طبية، التي تتسرب نحو مياه البحيرات والأنهار والجداول. كما تتلوث المياه أيضا بالعطور والقولونيا ومستحضرات البشرة ومستحضرات الوقاية من الشمس التي تتسرب عند غسل الجلد والوجه.
وحتى الآن فإنه لا توجد أي دلائل في الواقع على أن المواد الصيدلية والمستحضرات الشخصية الموجودة في المياه تضر بالإنسان، إلا أن الدراسات تشير إلى تأثيراتها الضارة على الحياة المائية.
وقد أدى برنامج استعادة الأدوية الذي يسمح لأي شخص إعادة أدويته غير المستخدمة إلى مواقع معينة إلى تحقيق هدفين، الأول: إبعاد الأدوية عن المياه، والثاني: منع استخدام بعض الأدوية مثل مسكنات الألم الحاوية على الأفيون لأغراض الإدمان أو أغراض مخالفة للقانون.
ومثلت الإرشادات التي أصدرتها وكالة حماية البيئة (EPA)، الخطوة الثانية في الاتجاه الصحيح، إذ إنها وجهت المستشفيات ودور الرعاية بعدم رمي الأدوية غير المستعملة في المجاري العمومية أو المراحيض. كما وجهت الإرشادات عموم الناس بمثل هذا لأغلب الأدوية غير المستعملة. إلا أن التساؤل المطروح حاليا هو هل هاتان الخطوتان كافيتين لدرء تسرب المركبات الكيميائية من المواد الصيدلية ومن المستحضرات الشخصية ومنع تراكمها المتسارع في الماء.
مصادر التلوث الصيدلي
* ورغم صعوبة إيراد أرقام يعتمد عليها، فإنه يمكن أن نفترض افتراضا سليما بأننا بوصفنا من المستهلكين فنحن مسؤولون عن نسبة كبيرة من مواد الأدوية والمستحضرات الشخصية التي تتسرب نحو مياه البحيرات والأنهار والجداول.
* تحتوي البيوت الأميركية على الكثير من الأدوية غير المستعملة التي مر زمن صلاحيتها. وقد افترض برنامج استعادة الأدوية في كاليفورنيا عام 2007 أن نصف تلك الأدوية والمستحضرات ترمى. وربما يكون ذلك رقما عاليا إلا أنه يعني أن نسبة كبيرة لا تزال ترمى في المياه.
* تصل المواد الكيميائية أيضا إلى المياه من الأدوية التي نستخدمها، إذ إن أجسامنا تمتص أجزاء من أغلب الأدوية التي نتناولها، ويتم لفظ بقية أجزائها عبر البول أو البراز (أو عبر التعرق)، وبهذا فإنها تصل إلى المياه.
ويزداد عدد الأدوية التي تنتج على شكل مراهم أو كريمات أو محاليل ولذا فإن بعض موادها التي لا تمتص قد تمثل مشكلة للتلوث عند غسل الجلد. وقد وضعت حسابات على سبيل المثال أن استخدام رجل لكريمات التيستوستيرون يؤدي إلى دخول كمية منه إلى المياه تعادل ما تلفظه أجسام 300 رجل.
* مؤسسات الرعاية الصحية هي مصدر آخر من مصادر التلوث الصيدلي، وتعتبر المستشفيات أقل تلويثا هنا مقارنة بدور الرعاية لأن الأولى تملك صيدليات يمكن إرجاع الأدوية إليها، بينما ترمي دور الرعاية الأدوية بعد موت مريض فيها أو نقله منها.
* تلعب شركات إنتاج الأدوية دورها في بعض التلوث الصيدلي بدرجة متفاوتة، وقد رصدت دراسة لهيئة المساحة الجيولوجية الأميركية تلوث المياه الجارية القريبة من معملين لإنتاج الأدوية في مقاطعة نيويورك بمعدلات تزيد بـ10 إلى 1000 مرة عن معدلات التلوث في مناطق أخرى من الولايات المتحدة.
* الزراعة هي مصدر آخر للتلوث الرئيسي، فالمخلفات من الحيوانات التي يصل وزنها إلى تريليوني رطل (نحو 900 مليار كلغم) من الدواجن والماشية تكون مليئة بالهرمونات والمضادات الحيوية التي تعطى للحيوانات لزيادة نموها والحفاظ على صحتها، ومن المحتم أن تصل بعض هذه المواد إلى المياه الجوفية.
مشكلة التلوث الصيدلي
* رصدت دراسة لهيئة المساحة الجيولوجية الأميركية عامي 1999 و2000 وجود كميات معتبرة من دواء أو من عدة أدوية في 80 في المائة من عينات المياه التي أخذت من شبكة من 139 جدولا في 30 ولاية أميركية.
وقد ظهر أن قائمة الأدوية ضمت خليطا من المضادات الحيوية ومضادات الاكتئاب، والأدوية المخففة للزوجة الدم، وأدوية أمراض القلب (مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين ACE inhibitors، حاصرات أقنية الكالسيوم calcium - channel blockers، «ديغوكسين» digoxin)، الهرمونات (مثل الإستروجين والبروجستيرون، التيستيستيرون)، ومسكنات الألم. وقد رصدت دراسات كثيرة مواد الكافيين (الذي يتسرب طبعا من مصادر أخرى أيضا غير الأدوية)، ودواء «كربامازيباين» carbamazepine المضاد للتشنجات، وأدوية «فبريت» fibrates التي تحسن مستوى الكولسترول، وبعض المواد الكيميائية العطرية (مثل «غالاكسولايد» galaxolide و«تونالايد» tonalide).
كما رصد عدد من الصحافيين تلوثا بالمواد الصيدلية في 24 منطقة كبرى من المدن، فيما أفاد علماء قي هيئة خدمات المياه في جنوب نيفادا عام 2010 بتلوث مياه الشرب الواردة من 19 منشأة لتصفية المياه ببقايا من أدوية مضادات الاكتئاب والمضادات الحيوية وأدوية علاج الأمراض العصبية وحاصرات بيتا والأدوية المهدئة. إلا أن تركيزها كان ضئيلا ويقل عن المستوى الضار بصحة الإنسان.
ومن المحتمل وجود تأثير متراكم لهذه الكميات الملوثة مهما كانت ضئيلة على جسم الإنسان، وربما ستكون الحوامل والمعاقون أكثر المتضررين ذلك التأثير.
التأثير على الأحياء المائية
* وبخلاف حالة عدم الوضوح بشأن تأثيرات المواد الصيدلية في المياه على صحة الإنسان فإن هناك أدلة على أنها تؤثر على الأحياء المائية وخصوصا الأسماك. وقد أظهرت عدة دراسات أن الإستروجين والمواد الكيميائية التي تتصرف وكأنها تحاكي التأثيرات الأنثوية على ذكور السمك، بمقدورها خلخلة النسبة بين ذكور وإناث السمك.
وتضم مصادر الإستروجين حبوب منع الحمل وأدوية العلاج الهرموني للنساء بعد سن اليأس، إضافة إلى الإفرازات الطبيعية من الإستروجين لدى النساء، التي تلفظ خارج أجسامهن.
وقد عثر على أسماك خنثى - وهي أحياء تتسم بسمات ذكرية وأنثوية في آن واحد - في مناطق شديدة التلوث من بعض الأنهار، فيما رصدت بقايا من الأدوية المعروفة المضادة للاكتئاب مركزة في أنسجة المخ لدى أسماك في أحواض قريبة من بعض منشآت معالجة المياه.
0 التعليقات:
إرسال تعليق